الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا

خنازير الحدود

العبدلله لا يهوى الكتابة أو السياسة أكتب هذه عن السفر بالسيارة بين عدد من الدول الأوروبية
__________________
ماذا تعرف عن بلجيكا؟
بلجيكا هي مملكة في أوروبا عدد سكانها 11 مليون نسمة، وعاصمتها بروكسل.
وماذا تعرف عن بروكسل؟
مدينة أكلت فيها أحسن كسكسي.

الجو جميل والشمس ساطعة، الساعة العاشرة صباحا أكملت شغلي في باريس في وقت سريع و قررت أن أذهب إلى بروكسل لغرض السياحة والفرهدة لأن آخر مرة كنت فيها شعرت بأن بلجيكا لها نكهة غريبة، لا أعرف لماذا، وقلت لنفسي مادام عندي وقت فاضي أذهب الآن لأكتشف أشياء ربما ستجعلها بلدا مفهوما في مخيلتي.

سألت صاحبة محطة البنزين إن كان الطريق السريع الذي يربط باريس ببلجيكا قريبا منا. قالت نعم، الطريق يبدأ في جزيرة الدوران القادمة التي تبعد من هنا بمسافة نصف كيلومتر.

دخلت الطريق السريع وبدأت أشعر بالراحة حيث لم يكن مزدحما مثل شوارع العاصمة الفرنسية، وبعد فترة قليلة خطر في بالي والسيارة متحركة بسرعة عادية، خطر في بالي أن أستمع إلى محطات الراديو العربية التي تستمع إليها جالية العرب في فرنسا.

وهكذا بدأت الساعات الأولى في الطريق السريع. كل شيء تمام، سرعتي كانت قانونية، الطريق غير مزدحم، والسيارات الأخرى كانت بعيدة عني، والراديو لازال يبحث عن محطات عربية .. من محطة إلى محطة، عددهن كثير، والعبدلله مشغول تفكيري بأشياء لا أتذكرها.

طبعا، مرة مرة أرى علامة ويافطة تقول مدينة كذا ومدينة كذا أي إشارة إلى مدينة معينة، يعني إذا أردت المدينة الفلانية فعليك أن تخرج من المخرج القادم.

لكن العبدلله كنت منسجما ومرتاحا، جوي صراحة كان بعد هكي فساد، الطريق سمح، الجو ممتاز، والسيارة الإنجليزية كانت حتى هي مرتاحة .. والسرعة معقولة جدا .. فجأة رأيت من مسافة بعيدة إثنين من رجال العسكرية واقفين في منتصف الطريق تحت الكوبري Bridge الذي يقطع الطريق السريع.

بدأت طبعا في تخفيف السرعة إحتراما للبدلة العسكرية، وأصبحت أقترب شيئا فشيئا من الكوبري، وبعدها إتضح لي أن الرجال العسكريين في الحقيقة كانوا بوليس الحدود.

بعد أن وصلت الكوبري فجأة قام أحد رجال البوليس برفع يده تجاهي، طالبا مني أن أتوقف على اليمين. أوقفت السيارة، وأطفأت المحرك والراديو، منتظرا المجهول.

وأنا جالس في السيارة وصل أحد رجال البوليس قريبا من السيارة، لم يكن مبتسما أو حتى فرحانا بدخول ضيف جديد لبلدهم، ضيف ربما سيساعد في تنمية اقتصاد البلد. كان شكله رسميا أكثر من اللزوم، وكأنه في حالة نفسية تعبانة لا يعرف حتى الإبتسام .. المهم، وصل إلي وقال بالإنجليزي:

- وين ماشي؟؟ (عزيزي القارئ أرجو أن تلاحظ أن هذا الخنزير لم يقل يا سيدي .. يا Mister وين ماشي، أو أرجوك Please)

قلت إلى بروكسل.

كرر سؤاله: وين ماشي؟
- إلى بروكسل يا سيدي.
- أنت تركت بروكسل خلفك، أنت مررت على المخرج الذي يؤدي إلى بروكسل ... أنت الآن وين ماشي؟
طبعا إستغربت من كلامه .. نظرت إلى الخلف، وسألته:
- هل أنت يا سيدي متأكد أنني تركت مخرج بروكسل؟
أخذ هذا القرد خطوتين إلى الخلف وهو يقول أنزل من السيارة، أخرج من السيارة وقف هناك. مرة ثانية لم يقل أرجوك أو لو سمحت.
نزلت من السيارة وعلى وجهي علامات واحد غير راضي وغير مرتاح لهذه المعاملات التي ينقصها الأدب والإحترام. ووقفت بجانب البوليس الثاني، بدون حتى أن أنظر إليه، و كأنهم كلهم قرود.
وكرر سؤاله، أنت وين ماشي؟
أجبته وقلت، يا سيدي لقد أجبتك .. لماذا لا تقل لي أنت إلى أين يؤدي هذا الطريق؟
- إلى هولندا.

ضحكت والله، ضحكت من قلبي مستغربا من إجابته وفكرت قليلا ثم قلت مبتسما:
- أنا إذن ذاهب إلى هولندا.
هذا الخنزير لم تعجبه إجابتي.
- معاك فلوس؟
- معاي.
- كم؟
- أجبته.
ذهب للسيارة وبدأ في تقليب الجاكيت، ووضع يده في جيوبها، ثم بدأ في البحث تحت الكراسي الأمامية، كرسي كرسي، بعدها خرج من السيارة وفتح الباب الجانبي وبدأ في تفتيش المساحة بيديه وعيونه كأنه يبحث عن قنبلة. ثم طلب مني فتح الباب الخلفي وبدأ في التفتيش. بعدها أخرج العجلة الإحتياطية من صندوقها ووضعها على الطريق السريع وبدأ في فحصها بدقة، ثم رجعها ولكن تركها خارج الصندوق المخصص لها.
بعدها اقترب قليلا مني وقال مشيرا بيده أنني الآن يمكنني الذهاب.

طبعا لم تعجبني طريقة كلامه، وأسلوبه الجاف، وحتما لم يعجبني المكان الذي وضع فيه العجلة الإحتياطية، فقلت:
- هل قلت يا سيدي الآن يمكنني الذهاب؟
- نعم.
- يعني هل أكملت حضرتك يا سيدي التفتيش؟
- نعم.
أنا قاعدالآن نغلي لأنه، في الواقع لم ينته من عمله لأنه لم يرجع الشكورطة في المكان الذي وجدها فيه.
كررت سؤالي وأنا أنظر في إتجاه العجلة بإستغراب مقصود ومبالغا فيه.
- يعني أنت كملت؟
- نعم.

بعدها ذهبت إلى الباب الخلفي، ورتبت المكان المخصص للعجلة، وهم واقفون ينظرون، دخلت السيارة زعلانا وبدأت المحرك، ربطت الحزام، وولعت الراديو، ورفعت من صوته إلى أعلى درجة حتى يسمعوه التيوس وقفلت الباب بقوة وتحركت السيارة بدون حتى أن أنظر إلى الخنازير. قررت في هذه اللحظة أنه لو تتكرر هذه المعاملة مرة أخرى سأشتكي إلى حكومتي، وسأتابع الشكوى، وأشعر أنني سأربح الشكوى ولو برسالة تقول آسفين على سوء الفهم نتيجة إستعمال لغة أجنبية.

أكملت الطريق ودخلت مدن هولندية ... وفي الرجوع مررت بمملكة بلجيكا.


في سبعة أيام، ومرورا ببوابة حدود دولية لبلد، ثم عبور البحر على سفينة، ثم دخول بلد ثاني، وبعد ذلك الخروج من إحدى بوابته الدولية، والدخول لبلد آخر، ثم الخروج منه و دخول بلد آخر، ثم الخروج مرة أخرى، وبعده بلد آخر .. وركوب سفينة، ودخول تربة بلد آخر. في كل هذه الرحلات، كلها كلها، تنقلت مرات عديدة بين دول مختلفة لم يسألني مخلوق واحد عن الباسبورت.


2008/06/27
_____________________________________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Elmadani70@gmail.com

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا