الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا

حول الحراك السياسي مع د. أبوبكر مصطفى بعيرة


حديث صريح وشفاف مع خبير الإدارة والتنظيم الدكتور أبوبكر مصطفى بعيرة

دكتور أبوبكر لو سمحت، ماذا يجري الآن على المستوى السياسي في ليبيا؟
إن ما يجري حاليا من حراك سياسي إنما هو أمر طبيعي يتماشى مع ما لدى أفراد الشعب الليبي من طموحات نحو الحرية والعدالة وتحسين مستوى معيشة الناس و غير ذلك من الطموحات المشروعة التي ظل المواطن الليبي محروما منها لسنوات طويلة. ولكن يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الحراك السياسي الدائر تحفه بعض المخاطر التي قد تقلل من فعاليته.
ماذا تقصد بالمخاطر؟
لعل أهم هذه المخاطر هو عملية التهميش والتغييب السياسي لدور المواطنين في العملية السياسية خلال الستة عقود الماضية من تاريخ ليبيا السياسي، فبالرغم مما كان للعهد الملكي من حسنات في تحسين مستوى معيشة الليبيين إلا أنه قام هو أيضا بتهميش الدور السياسي لليبيين طيلة فترة حكمه، وربما كان هذا تحت تأثير الكثير من المستشارين والخبراء المصريين الذين كانت تعتمد عليهم ليبيا في الكثير من أنشطتها، وكانوا هم بدورهم قد تأثروا بالصراعات التي تفجرت في مصر منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بين كل من الدولة المصرية والنشطاء السياسيين هناك وما ترتب عليه من سلبيات في الحياة المصرية انتقلت بدورها إلى المجتمع الليبي بحكم الصلات والجوار. و ثانياً ما فرضه نظام القذافي على الشعب الليبي من أحادية في التفكير لا تسمح بأي هامش للرأي المغاير تحت كافة الظروف ولا شك في أن بقاء الليبيين تحت هذا النمط من أحادية التفكير وتهميش الرأي الآخر قد أثر في طريقة تفكيرهم وفي أسلوب تعاطيهم مع الأشياء بما في ذلك بطبيعة الحال النظر إلى العملية السياسية وكيفية ممارستها.
هل من مثال أو دليل على ذلك؟
نعم، خلال الشهور الماضية ظهرت بين بعض النشطاء السياسيين في بعض مدن ليبيا دعوة لانتقاء أسلوب حكم متطور يتم تضمينه لأحكام الدستور القادم الذي سوف ينظم العملية السياسية في البلاد، ومن استقراء تجربة الحكم في ليبيا خلال الستين سنة الماضية واستقراء أيضا لتجارب الحكم التي يتم تطبيقها في أكثر دول العالم تقدما مثل كندا واستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وسويسرا وغيرها من الدول الرائدة اقتصاديا في العالم، تم طرح أسلوب نظام الحكم الاتحادي (الفيدرالي) كوسيلة أنسب لحكم ليبيا ينبغي أن تطرح على بساط البحث خلال فترة الحراك السياسي الحالية. ولكن بمجرد أن تم طرح الفكرة برز أثر الثقافة السابقة المسيطرة على عقول الكثير من النشطاء السياسيين حتى بدون أن يمحصوا الفكرة أو أن ينظروا في مدى فائدتها لليبيا من عدمها، فقاموا بمهاجمتها على أساس أن الفيدرالية دعوة لتقسيم ليبيا وقال البعض الآخر بأن الفيدرالية دعوة للقبلية ... بل إن البعض خرج على الملأ ليعلن أنه لن يسمح بقيام الفيدرالية في ليبيا وكأننا ما زلنا تحت عباءة حكم الفرد الذي قد يسمح أو لايســــــــمح (هو !!) بقيام أمر ما أو عدم قيامه.
إن مثل هذا الأسلوب هو في نظري أخطر شيء على عملية الحراك والتنمية السياسية في ليبيا، ولابد من أن يتخلص الليبيون - كما تخلصوا من حكم الطغيان بعزيمة وشجاعة الثوار الشبان - مما خلفه لهم نظام القهر والجور السابق من أمية سياسية تقتل أية طموحات لهم في المستقبل، ويمكن لأي متطفل على العمل السياسي من أن يستغلها بديماجوجية لتحقيق مآربه الشخصية مثل ما حدث معنا في السابق.
هذا الأسلوب الخطير الذي أشرت اليه يا دكتور هل تقصد إستغلال شخص ما قلة معرفة الناس بالسياسة إستغلالها لأغراضه و أهدافه الشخصية على حساب المصلحة العامة؟
إن كل الاحتمالات واردة، ولكن حتى إذا ما افترضنا حسن النية لدى مثل هؤلاء الأفراد، فإن النتيجة سوف تكون واحدة، ومؤداها هو تعطيل مسار العملية الديمقراطية. إن علينا نحن الليبيين أن ننظر بتمعن إلى ما جرى مؤخرا في دولة مجاورة لنا مثل تونس، حيث أدى حسن إدارة عملية التحول السياسي إلى تقدم ملحوظ لدى هذا البلد الشقيق في ممارسة عملية التغيير اللاحق للثورة الشعبية التي قامت هناك، وبشكل أثار إعجاب العالم أجمع. والمهم في كل ذلك هو أنه لم يبرز في تونس أية أفراد يحاولون تحويل مسار العملية الديمقراطية لصالحهم عن طريق الكثير من المناورات السياسية المكشوفة التي نشهدها جميعا على الساحة الليبية من قبل أفراد أصبحوا يحلمون بمستقبل سياسي عن طريق التلاعب بعواطف الناس. ولقد لفت نظري بشكل خاص هجوم شنه أحد أعضاء المكتب التنفيذي السابق على الحكومة الانتقالية الجديدة بمجرد أن خرج هو من تشكيلة الحكومة، وقد بنى نقده هذا على أساس أن الحكومة الجديدة لا تمثل الشعب بشكل صحيح!! وهل ياترى كيف يجيب مثل هذا الشخص لو سئل عما إذا كان المكتب التنفيذي السابق أو المجلس الوطني الانتقالي ذاته قد جاء من خلال عملية ديمقراطية صحيحة أم لا. إنها وللأسف الأمية السياسية التي تطل علينا من حين لآخر بوجوه مختلفة.
كيف ترى أو ما هي الوسيلة الصحيحة التي تضع و تضمن مصلحة الشعب الليبي و أمن و سلامة و إستقرار ليبيا فوق و قبل كل الأولويات؟
إن المفصل الرئيسي لعملية التحول السياسي الراهن في ليبيا يتمحور حول العملية الانتخابية القادمة وتوابعها، وبقدر نجاح هذه العملية يمكننا الحكم على مدى نجاح التحول السياسي من عدمه. إن نجاح هذه العملية الانتخابية يتطلب التأكد من وجود بعض المتطلبات الأساسية والتي من أهمها:
أولا: توفر صدق النية لدى مختلف الأطراف للدخول في هذه العملية وهم آخذون في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا لليبيا وشعبها.
ثانيا: الإعداد الإداري الجيد للعملية الانتخابية، من تثقيف أفراد المجتمع، وإعداد الإجراءات الإدارية الأخرى (وهي كثيرة) اللازمة لإتمام عمليــــة الانتخاب بنجاح. ولكن وللأسف فإن الجهد الإداري الذي ربما تكون قد بذلتـــه الإدارة في هذا الشأن غير ظاهر للعيان، والخوف أنه قد تكون مرت كل الفتــــــــرة الماضية دون اتخاذ أية خطوات جدية حيال هذه الأمور.
ثالثا: تشجيع مؤسسات المجتمع المدني، وهي حديثة النشـــأة لدينا، على أن تلعب دورا مهما في هذا المجال، وعدم ترك كل العبء ليقع على كاهل جهة الإدارة.
رابعا: شفافية إجراءات القيام بكل ما يتعلق بهذه العملية من بدايتها إلى نهايتها، فمن حق جميع الأطراف أن تكون على إطلاع كامل بكيفية سير العملية الانتخابية في مختلف مراحلها، منذ البداية إلى النهاية.
خامسا: الدقة في اختيار أعضاء الجمعبة الوطنية التي سوف يناط بها الكثير من الأمور الحاسمة في عملية التطور السياسي، وكذلك الاختيار غير المتحيز والشفاف للهيئة العليا التي سوف تشرف على العملية الانتخابية، وإعطائها كامل الحرية في اتخاذ قراراتها بشكل مستقل، وهذه أمور أتخوف منها كثيرا في ظل ثقافة التهميش وغياب الشفافية والانفراد بالرأي التي غرسها في نفوسنا النظام الاستبدادي السابق.

رجال القذافي .. مع د. أبوبكر مصطفى بعيرة

حديث صريح وشفاف مع خبير الإدارة والتنظيم الدكتور أبوبكر مصطفى بعيرة


هناك الكثير من الحيرة والتناقض والغموض حول كيفية التعامل مع أعضاء النظام السابق، أود أن أسأل من نقصد بالتحديد عندما نقول أعضاء النظام السابق، من هم، هل من وصف أوتعريف؟

لعله من المناسب بادئ ذي بدء ألا يتم إتّباع سياسة إقصاء عام لكل من تعامل مع النظام السابق، فكل الليبيين بدون استثناء تقريبــــــــا ممن لم يهاجروا إلى خارج الوطن لأسباب ارتأوها، كان عليهم أن يتعاملوا مع النظام السـابق بشكل أوبآخر، وكان منهم من يرى أنه من السلبية ترك أمور البلاد وإدارتهـــا للعناصر المتسلقة الفاسدة التي كانت ملتصقة التصاقا غير مبرر بنظام القذافي. ونحن عندما نتحدث عن هؤلاء فإننا بالتأكيد لا نقصد تهميش أوإقصاء كل من عاصر نظام القذافي طيلة مدة حكمه لليبيا. إن ذلك يعتبر ضربا من المستحيل، ناهيك عن كونه يظلم الكثير من الناس الذين كانوا يبحثون عن أية فرصة لخدمة بلادهم وأهلهم، أوحتى لمجرد الحصول على لقمة العيش في عهد عمه الجور والحرمان، لشعب كان يرى ثرواته تُهدر أمام عينيه. ولهذا الغرض فإنه يمكن تصنيف فئة المتعاملين مع نظام القذافي السابق، والذين يجب عدم السماح لهم بالدخول إلى النظام الجديد، إلى الفئات التالية:

أولا: كل من تلطخت يداه بدماء الليبيين، بقتلهم أوتعذيبهم، في أية مرحلــــــة من مراحل النظام، يجب عدم إعطائه فرصة مرة أخرى لإيذاء الشعب الليبي من جديد، لأن مثل هؤلاء الناس لديهم سلوك سادي لابد أن يعاودهم في حياتهــــــــــم مرات ومرات، ويترك أمر مثل هذه الفئة للقضاء العادل عندما تستقر الأمـــــــــور ليقول كلمته فيهم، إنصافا للضحايا والمظلومين الذين عانوا على أيدي أمثــــــــال هؤلاء الساديين.

ثانيا: كل من ساهم بشكل أوبآخر في القيام بأعمال شنق الليبيين دون محاكمات عادلة، والتمثيل بأجسادهم دون مراعاة لكرامة البشر، ولشعور أهاليهم وذويهم.

ثالثا: كل من أفسد المال العام وسرقه، وخاصة من كبار المسؤولين الذين تحــــوم حولهم الشبهات في هذا الشأن، يجب عدم السماح لهم بالعودة للنظــــــــام الوطني الجديد إلا بعد أن تتم تبرئة ساحتهم عن طريق القضاء النزيه أيضا.

رابعا: كل من تولى منصبا قياديا رئيسيا مع النظــــــــــــــام السابق على مستوى الأمانات (الوزارات) الرئيسية وما في حكمها، وعلى مستوى رئاسة الوزراء (اللجنة الشعبيـة العامة)، ورئاسة البرلمان (مؤتمر الشعب العام)، ورئاسات الشعبيات الســـابقة إلا بعد أن تتم تبرئتهم من خلال القضاء العادل.

خامسا: كل من آذى الليبيين بشكل لم يكن مدفوعا إليه إلا بدواعي تحقيق مصـــــالح شخصية على حساب مواطنين آخرين تمّت الوشاية بهم، أوإلحاق أضرار معنوية أومادية بهم، يجب أيضا ألا يقترب من النظام الجديد إلا بعد النظر في وضعه عن طريق القضاء العادل، وبعد أخذ حقوق المتضررين من تصـــــرفاته. ويندرج تحت هذه الفئة مثلا أولئك الأشخاص الذين قاموا بمبادرة منهم بإحـراق جزء مهم من ذاكرة الوطن عن طريق تعديهم على ممتلكات الدولة وإحراق مستندات السجل العقاري في بنغازي بشكل علني،وأولئك الذين تطوعوا متكالبين لهدم بيوت بعض الليبيين بسبب معارضتهم للنظام، وأولئك الذين تكالبوا على هدم بعض المؤسسات الاجتماعية مثل النادي الأهلي في بنغازي، وسوق الثلاثاء ونقابة المعلمين في طرابلس، الأمر الذي ترتب عليه الإضــــــــرار بالكثير من الناس وضياع حقوقهم. كما يدخل في هذه الفئة أيضا أعضــاء فرق العمل الثوري في الجامعات الليبية بسبب إيذائهم للشباب والقضـــــاء على طموحاتهم وقطـــــــع دراستهم تحت ستار الثورية الزائفة، وكذلك أولئك الذين كانوا يزايدون في تلقين الشباب مكرهين ترهات ما كانوا يطلقون عليه الفكر الجماهيري في مؤسسات التعليم المختلفة.

سادسا: كل من عمل مع آل القذافي مباشرة في شكل مستشارين شخصيين يزينــون لهم الباطل طيلة هذه المدة الماضية على حساب مصلحة الوطن وأهله الصادقين.

سابعا: كل من كانوا ينبطحون علنا وبدون استحياء لتقبيل يد القذافي، وهـــــــــوإجراء تستهجنه النفس الأبية الصادقة، ولا يدل إلا على ذلة وخسة نفس القائم به لأغراض دنيوية دنيئة، وربما لم يقوموا في حياتهم يوما بتقبيل أيادي آبائهم أوأمهاتهم اللائي ولدنهم.

ولا يكفي (بل يجب ألا يُسمح لأمثال هذه العناصر) أن تظهر على وسائل الإعلام لتعلن بدون حياء شجبها لنظام كانت تعبده من دون الله، والعياذ بالله، بل وأن تطلب منه أن يرحل! عجبا! وبعد أن تستقر الأمور بإذن الله، فإن هناك سبيلين اثنين للتحقق من هذه المخالفات ومعالجتها عن طريق القضاء العادل:

1. إما أن تقوم الدولة بتحريك قضايا ضد هؤلاء المتطـــــاولين في حق الشعب الليبي.

2. وإما بقيام من ارتُكبت بحقهــــم التجاوزات أن يتابعوا المطالبة بحقوقهم وحقوق ذويهم بالطرق الشرعية.

هناك من يرى ضرورة إقصائهم بالكامل، رأيك لوسمحت.

كما أشرت في بداية إجابة السؤال الأول، فإنني لست مع وضع سياسة إقصاء شامل بل يجب أن يقتصر الإقصاء على الفئات المذكورة أعلاه وذلك بسبب عظم الجرم الذي ارتكبته هذه الفئات في حق بلدها وشعبها.

أستاذنا ماذا تقترح لمعالجة هذا الموضوع الحسّاس؟

1 - ينبغي عدم السماح للفئات المذكورة أعلاه بالقفز على دماء الشهداء وتلويث النظام الثوري الجديد بما ترسب في عقولهم من ممارسات وثقافات معوجّة، وعلى الأخص ظهورهم على الفضائيات، وكأنهم هم من قاموا بهذه الثورة المباركة. إن ظهور وجوه النظام السابق على وسائل الإعلام يعتبر أكبر إيذاء لضحاياهم ولذويهم الذين عانوا من طغيان أمثال هذه الفئات، وعدم اتعاضها بالتاريخ، والتاريخ لا يرحم أحدا.

2 - قيام الدولة الجديدة ببناء نظام قضائي نزيه يتولى أمور هذه الفئات، وهذا أمر ينبغي البدء فيه بأسرع وقت ممكن.

3 - إتاحة الفرصة كاملة أمام كل مواطن تضرر من الممارسات الخاطئة لتلك الفئات بأن يتقدم لعرض مدى الضرر الذي لحق به، وأن يطالب بالقصاص ممن ألحقوا به أذى.

4 - إتاحة الفرصة كاملة أمام عناصر هذه الفئات للدفاع عن أنفسهم أمام القضاء العادل، في أية قضايا ترفع ضدهم من قبل أبناء الشعب الليبي.

ليبيا بين الأزمة والمجهول مع د. أبوبكر مصطفى بعيرة


حديث صريح وشفاف مع خبير الإدارة والتنظيم الدكتور أبوبكر مصطفى بعيرة

أشكرك دكتور أبوبكر على ترحيبك بحوار حول وطننا الغالي ليبيا والمرحلة الراهنة والدقيقة التي يمر بها وبعد

أود أن أبدأ بالسؤال هل تمر ليبيا الآن بأزمة أم مشكلة مؤقتة في إدارة أحوالها أم ماذا بالضبط، وما هي الأسباب في رأيك؟

نعم لقد مرت ليبيا خلال الثمانية اشهر السابقة بأزمة تحرير التراب الوطني من بقايا حكم ألقذافي وأتباعه، وكانت مرحلة صعبة للغاية ولاشك، سالت خلالها دماء الشهداء أنهارا بشكل اندهش له العالم، وهو يرى الشباب الليبي يقفون في مواجهة إحدى أشرس الترسانات الحربية في العالم الثالث، وهم بملابسهم العادية، بدون أية واقيات ميدانية، وكأنهم خارجون في نزهة... وكان هذا وللأسف (بالإضافة إلى الارتباك الذي حدث لفترة غير قصيرة في معالجة شؤون الجرحى) أول أوجه قصور الإدارة التي كان ينبغي عليها أن توفر لهم الحماية الأساسية المتعارف عليها في ميادين القتال.

وبالرغم من أن الجهات الإدارية الجديدة في الدولة كان لها أن تتأثر أيضا بمثل هذه الأوضاع المضطربة وغير العادية إلا أن ذلك لا يبرر لها الكثير من الأخطاء التي تقع فيها بشكل واضح والتي يمكن تجنبها دونما عناء كبير.

ولعل من أهم وأصعب القضايا التي واجهت الإدارة الجديدة هي عدم قدرتها على التخلص من ثقافة النظام السابق، وخاصة عند اختيار الأشخاص للمواقع القيادية، فحديث الشارع الليبي اليوم هو حول استغرابه من الكيفية التي يتم بها اختيار القيادات الإدارية الجديدة.

بل إن العالم الخارجي ايضا استغرب بعض تلك الأمور، فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة (الجار ديان) البريطانية المعروفة مقالة يوم 28 / 5 / 2011، بعنوان (مدى ديمقراطية قادة ليبيا الجدد)، استغربت فيها من أن يتولى أحد أعوان النظام السابق (وقد أوردته بالأسم) منصبا قياديا في الإدارة الجديدة مع أنه كان معروفا بالفشل الإداري عندما كان يرأس في نظام القذافي مؤسسة تم إقفالها بسبب انتشار الفساد فيها!

كذلك فإن بعض هذه القيادات عاش أغلب عمره خارج ليبيا دون أن تكون لهم آية مساهمات نضالية وطنية تبرر أمام الناس إعطاءهم الأولوية عمن عانوا أربعين سنة من الضيم والحصار في داخل ليبيا تحت الحكم الجائر.

كذلك فإن المرء ليستغرب من المستوى الثقافي الذي أبداه بعض هؤلاء القياديين، عندما كان يرفع وينصب بعد حرف الجر، الذي لا تتعدى مرحلة الإلمام به مرحلة السنة الثالثة الابتدائية على أكثر تقدير! لقد كان ذلك صدمة كبيرة لي (وبالتأكيد لغيري) عندما كنت أشاهده على بعض وسائل الإعلام، وهو يحطم لغة الضاد، وكما قيل من قبل: فأرى (وزيرا) بعد ذلك كله... رفع المضاف إليه والمنصوب!

كما أن الكثير من التعيينات كانت تتسم بمحسوبية وإقليمية ضيقة واضحة للعيان جهارا نهارا أمام مرأى جميع الليبيين. والأنكى من كل ذلك هو عدم شعور القيادات الإدارية للثورة الجديدة بالتعامل مع أزلام النظام السابق ومحاولة إدخالهم في التركيبة الإدارية الجديدة، وكيل المديح لهم، رغم ماضيهم غير المشرف مع النظام السابق، وكأنّ شيئا لم يكن، ولعل مرد ذلك هو أنهم كانوا (متعودين) علي بعضهم البعض في ظل النظام السابق ولا يرون غضاضة في إعادة بناء هذه العلاقات من جديد.

كما أن النظام الإداري الجديد تنعدم فيه الشفافية في الأداء بحيث لا يدري المواطن العادي أي شيء عن كيفية سير الأمور، بل إنه يظل يتلقف الشائعات والأخبار عن طريق الفضائيات ومحطات الأخبار الخارجية.

كذلك لا يفوت المرء أن يشاهد في سلوكيات الإدارة الجديدة عدم الإيمان بالرأي الآخر ومصادرته على الفور، وبطريقة تجعل المرء يتساءل هل نحن فعلا نعيش في مرحلة ما بعد القذافي؟

لاشك إذاً أن مثل هذه الممارسات الإدارية السيئة والتي تعود بأذهاننا إلى الوراء تجعل الإدارة الليبية في وضع الأزمة.

نحن إذن لدينا أزمة و في عدة جوانب مختلفة منها على سبيل المثال تجاهل الجرحى و عدم قدرة الإدارة الجديدة على التخلص من ثقافة النظام السابق مع انعدام الشفافية في الأداء، أستاذنا لو سمحت ماذا تقترح؟

أولا، لابد من العمل على الخروج من هذه الأزمة بجوانبها المختلفة، وإذا كان الخروج من العمل العسكري ليس تحت السيطرة المباشرة للأجهزة الإدارية كما نعلم جميعا، بل إنما هو رهن باعتبارات أخرى تتعلق بأطراف متعددة تواجهنا على جبهات القتال، فإن معالجة الشأن الإداري إنما هو عمل داخلي محض يمكن السيطرة عليه والتصرف فيه بحكمة، بل إن إهمال هذا الجانب وعدم التعامل معه بالشكل الصحيح قد يطيل أمد الصراع حتى لو سكتت البنادق على جبهات القتال. إن سوء الإدارة سوف يقود حتما إلى تفجر صراعات أخرى قد لا نحسب لها الآن أي حساب.

إن الخروج من أزمة الإدارة الراهنة يستدعي، وبشكل عاجل القيام بعدة أمور لعل من أهمها:

1. العمل على إصلاح الوضع الحالي للمجلس الوطني الانتقالي، فهذا المجلس برز إلى الوجود في فترة استثنائية، ولم يكن أسلوب تكوينه ديمقراطيا على الإطلاق، والآن تغيرت الكثير من المعطيات التي تستدعي إعادة النظر في كيفية اختيار أعضاء المجلس بناء على أسس موضوعية، وقواعد واضحة للجميع، واعتبارات جغرافية نشأت بعد عملية التحرير الكامل لأرض الوطن.

2. من خلال ما يطرحه الشارع الليبي عبر وسائل الإعلام المختلفة، فإن هناك عدم رضي واضح على كيفية تشكيل المجلس التنفيذي المكلف بإدارة الأزمة، وعلى غياب المعايير الموضوعية في اختيار أعضائه. هناك مجموعة من الاعتبارات التي ينبغي أن تراعى في هذا الشأن، وعلى رأسها:

- ضرورة عدم ارتباط هؤلاء التنفيذيين بنظام معمر ألقذافي البائد، حتى لا يكونوا جسرا يعبر عليه الكثير من نظرائهم في النظام السابق كما نرى عليه الأمر الآن، وأعتقد أن المجلس الانتقالي قد سبق وأن اتخذ قرارا صائبا في هذا الشأن منذ حوالي الشهرين، ولكن أحدا لم يلتزم به.

- أن يراعى في اختيار الأعضاء ضرورة توفر الخبرة اللازمة لأداء مهامهم، بالإضافة إلى معرفة شؤون البلاد وأهلها، والابتعاد عن التعيينات المبنية على العلاقات الشخصية، والعائلية والقبلية والجهوية الواضحة التي نراها حاليا.

- ألا يحمل أي من أعضاء المجلس الانتقالي أو التنفيذي جنسيات بلدان أخرى.

3. قد يستدعي الأمر، حتى لا تطول الفترة الانتقالية أكثر من اللازم، الاستعانة بفريق الأمم المتحدة المكلف حاليا بالشأن الليبي، في اختيار مجلس رئاسة انتقالي مكون من ثلاثة أعضاء من قيادات البلاد التي لم يتلطخ تاريخها بالعمل مع نظام القذافي للإشراف على تعيين حكومة انتقالية تتولى تسيير شؤون البلاد، والأخذ بيدها إلى بر الأمان، إلى أن يتم بناء المؤسسات الديمقراطية.

4. والأهم من كل ذلك هو اتباع نهج من الشفافية المفقودة حاليا في تسيير أمور البلاد، هذه الشفافية التي إذا ما تقبل الناس غيابها أثناء فترات القتال، فأنها يجب أن تصبح الآن هي المعيار الحاكم لأداء الدولة لمهامها بدون استثناء، صغيرها وكبيرها. إننا لا نريد نسخا أخرى من القذافي تطل علينا برؤوسها لتقول كلما سمعتْ رايا يخالف رأيها: (توا موش وقته)!

الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا