الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا

ليبيا بين الأزمة والمجهول مع د. أبوبكر مصطفى بعيرة


حديث صريح وشفاف مع خبير الإدارة والتنظيم الدكتور أبوبكر مصطفى بعيرة

أشكرك دكتور أبوبكر على ترحيبك بحوار حول وطننا الغالي ليبيا والمرحلة الراهنة والدقيقة التي يمر بها وبعد

أود أن أبدأ بالسؤال هل تمر ليبيا الآن بأزمة أم مشكلة مؤقتة في إدارة أحوالها أم ماذا بالضبط، وما هي الأسباب في رأيك؟

نعم لقد مرت ليبيا خلال الثمانية اشهر السابقة بأزمة تحرير التراب الوطني من بقايا حكم ألقذافي وأتباعه، وكانت مرحلة صعبة للغاية ولاشك، سالت خلالها دماء الشهداء أنهارا بشكل اندهش له العالم، وهو يرى الشباب الليبي يقفون في مواجهة إحدى أشرس الترسانات الحربية في العالم الثالث، وهم بملابسهم العادية، بدون أية واقيات ميدانية، وكأنهم خارجون في نزهة... وكان هذا وللأسف (بالإضافة إلى الارتباك الذي حدث لفترة غير قصيرة في معالجة شؤون الجرحى) أول أوجه قصور الإدارة التي كان ينبغي عليها أن توفر لهم الحماية الأساسية المتعارف عليها في ميادين القتال.

وبالرغم من أن الجهات الإدارية الجديدة في الدولة كان لها أن تتأثر أيضا بمثل هذه الأوضاع المضطربة وغير العادية إلا أن ذلك لا يبرر لها الكثير من الأخطاء التي تقع فيها بشكل واضح والتي يمكن تجنبها دونما عناء كبير.

ولعل من أهم وأصعب القضايا التي واجهت الإدارة الجديدة هي عدم قدرتها على التخلص من ثقافة النظام السابق، وخاصة عند اختيار الأشخاص للمواقع القيادية، فحديث الشارع الليبي اليوم هو حول استغرابه من الكيفية التي يتم بها اختيار القيادات الإدارية الجديدة.

بل إن العالم الخارجي ايضا استغرب بعض تلك الأمور، فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة (الجار ديان) البريطانية المعروفة مقالة يوم 28 / 5 / 2011، بعنوان (مدى ديمقراطية قادة ليبيا الجدد)، استغربت فيها من أن يتولى أحد أعوان النظام السابق (وقد أوردته بالأسم) منصبا قياديا في الإدارة الجديدة مع أنه كان معروفا بالفشل الإداري عندما كان يرأس في نظام القذافي مؤسسة تم إقفالها بسبب انتشار الفساد فيها!

كذلك فإن بعض هذه القيادات عاش أغلب عمره خارج ليبيا دون أن تكون لهم آية مساهمات نضالية وطنية تبرر أمام الناس إعطاءهم الأولوية عمن عانوا أربعين سنة من الضيم والحصار في داخل ليبيا تحت الحكم الجائر.

كذلك فإن المرء ليستغرب من المستوى الثقافي الذي أبداه بعض هؤلاء القياديين، عندما كان يرفع وينصب بعد حرف الجر، الذي لا تتعدى مرحلة الإلمام به مرحلة السنة الثالثة الابتدائية على أكثر تقدير! لقد كان ذلك صدمة كبيرة لي (وبالتأكيد لغيري) عندما كنت أشاهده على بعض وسائل الإعلام، وهو يحطم لغة الضاد، وكما قيل من قبل: فأرى (وزيرا) بعد ذلك كله... رفع المضاف إليه والمنصوب!

كما أن الكثير من التعيينات كانت تتسم بمحسوبية وإقليمية ضيقة واضحة للعيان جهارا نهارا أمام مرأى جميع الليبيين. والأنكى من كل ذلك هو عدم شعور القيادات الإدارية للثورة الجديدة بالتعامل مع أزلام النظام السابق ومحاولة إدخالهم في التركيبة الإدارية الجديدة، وكيل المديح لهم، رغم ماضيهم غير المشرف مع النظام السابق، وكأنّ شيئا لم يكن، ولعل مرد ذلك هو أنهم كانوا (متعودين) علي بعضهم البعض في ظل النظام السابق ولا يرون غضاضة في إعادة بناء هذه العلاقات من جديد.

كما أن النظام الإداري الجديد تنعدم فيه الشفافية في الأداء بحيث لا يدري المواطن العادي أي شيء عن كيفية سير الأمور، بل إنه يظل يتلقف الشائعات والأخبار عن طريق الفضائيات ومحطات الأخبار الخارجية.

كذلك لا يفوت المرء أن يشاهد في سلوكيات الإدارة الجديدة عدم الإيمان بالرأي الآخر ومصادرته على الفور، وبطريقة تجعل المرء يتساءل هل نحن فعلا نعيش في مرحلة ما بعد القذافي؟

لاشك إذاً أن مثل هذه الممارسات الإدارية السيئة والتي تعود بأذهاننا إلى الوراء تجعل الإدارة الليبية في وضع الأزمة.

نحن إذن لدينا أزمة و في عدة جوانب مختلفة منها على سبيل المثال تجاهل الجرحى و عدم قدرة الإدارة الجديدة على التخلص من ثقافة النظام السابق مع انعدام الشفافية في الأداء، أستاذنا لو سمحت ماذا تقترح؟

أولا، لابد من العمل على الخروج من هذه الأزمة بجوانبها المختلفة، وإذا كان الخروج من العمل العسكري ليس تحت السيطرة المباشرة للأجهزة الإدارية كما نعلم جميعا، بل إنما هو رهن باعتبارات أخرى تتعلق بأطراف متعددة تواجهنا على جبهات القتال، فإن معالجة الشأن الإداري إنما هو عمل داخلي محض يمكن السيطرة عليه والتصرف فيه بحكمة، بل إن إهمال هذا الجانب وعدم التعامل معه بالشكل الصحيح قد يطيل أمد الصراع حتى لو سكتت البنادق على جبهات القتال. إن سوء الإدارة سوف يقود حتما إلى تفجر صراعات أخرى قد لا نحسب لها الآن أي حساب.

إن الخروج من أزمة الإدارة الراهنة يستدعي، وبشكل عاجل القيام بعدة أمور لعل من أهمها:

1. العمل على إصلاح الوضع الحالي للمجلس الوطني الانتقالي، فهذا المجلس برز إلى الوجود في فترة استثنائية، ولم يكن أسلوب تكوينه ديمقراطيا على الإطلاق، والآن تغيرت الكثير من المعطيات التي تستدعي إعادة النظر في كيفية اختيار أعضاء المجلس بناء على أسس موضوعية، وقواعد واضحة للجميع، واعتبارات جغرافية نشأت بعد عملية التحرير الكامل لأرض الوطن.

2. من خلال ما يطرحه الشارع الليبي عبر وسائل الإعلام المختلفة، فإن هناك عدم رضي واضح على كيفية تشكيل المجلس التنفيذي المكلف بإدارة الأزمة، وعلى غياب المعايير الموضوعية في اختيار أعضائه. هناك مجموعة من الاعتبارات التي ينبغي أن تراعى في هذا الشأن، وعلى رأسها:

- ضرورة عدم ارتباط هؤلاء التنفيذيين بنظام معمر ألقذافي البائد، حتى لا يكونوا جسرا يعبر عليه الكثير من نظرائهم في النظام السابق كما نرى عليه الأمر الآن، وأعتقد أن المجلس الانتقالي قد سبق وأن اتخذ قرارا صائبا في هذا الشأن منذ حوالي الشهرين، ولكن أحدا لم يلتزم به.

- أن يراعى في اختيار الأعضاء ضرورة توفر الخبرة اللازمة لأداء مهامهم، بالإضافة إلى معرفة شؤون البلاد وأهلها، والابتعاد عن التعيينات المبنية على العلاقات الشخصية، والعائلية والقبلية والجهوية الواضحة التي نراها حاليا.

- ألا يحمل أي من أعضاء المجلس الانتقالي أو التنفيذي جنسيات بلدان أخرى.

3. قد يستدعي الأمر، حتى لا تطول الفترة الانتقالية أكثر من اللازم، الاستعانة بفريق الأمم المتحدة المكلف حاليا بالشأن الليبي، في اختيار مجلس رئاسة انتقالي مكون من ثلاثة أعضاء من قيادات البلاد التي لم يتلطخ تاريخها بالعمل مع نظام القذافي للإشراف على تعيين حكومة انتقالية تتولى تسيير شؤون البلاد، والأخذ بيدها إلى بر الأمان، إلى أن يتم بناء المؤسسات الديمقراطية.

4. والأهم من كل ذلك هو اتباع نهج من الشفافية المفقودة حاليا في تسيير أمور البلاد، هذه الشفافية التي إذا ما تقبل الناس غيابها أثناء فترات القتال، فأنها يجب أن تصبح الآن هي المعيار الحاكم لأداء الدولة لمهامها بدون استثناء، صغيرها وكبيرها. إننا لا نريد نسخا أخرى من القذافي تطل علينا برؤوسها لتقول كلما سمعتْ رايا يخالف رأيها: (توا موش وقته)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Elmadani70@gmail.com

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

الرئيسية       الجديد       كوكتيل       روابط       مشرف الصفحة

دليل الليبي في بريطانيا